مقدمة/
علاقة مصر بأفريقيا ليست بالبسيطة بل هى جزء لا ينفصل عن القارة تلك
الدولة الفرعونية العتيقة إبنة قارة أفريقيا ،وبوابة القارة الشرقية تجاه قارة
آسيا ،وبوابتها نحو قارة آوروبا أيضًا .
تلك الجذور لا ترتبط بالحدود وحسب بل شريان الحياة لدى مصر الآتى من
رحم أواسط أفريقيا والذى يؤكد أواصل الارتباط المصرى الأفريقى والحضارات التى نشأت
فى السودان وغيرها من دول أفريقيا والتى تواصلت بشكل أو بآخر بالحضارة المصرية
القديمة ؛ مرورًا بالعصور المختلفة ومصر حلقة الوصل بين آوروبا ومستعمراتها فى
جنوب القارة.
إلى أن جاءت مصر الحديثة على يد "محمد على" والذى قامت فى عهده وعهد أسرته فيما بعد، كثير من الرحلات والحملات
المصرية لكل من السودان والصومال وإريتريا ووصلت حتى شمال أوغندا ، وكان لمحمد على
دورا كبيرا فى تأسيس مدينة الخرطوم بين عامى 1820 ــ 1825 م وأصبحت منذ عام 1830
عاصمة السودان إلى جانب إنشاء عدد من المدن الأخرى مثل كسلا ، وكما أنشئت دور
الحكومة وثكنات للجيش والمتاجر والمساجد .وإمتد الأمرإلى مد خطوط السكك
الحديد إلى السودان ،والسياسة المصرية
داخل أفريقيا بوجه عام كانت تشمل كافة مناحى الحياة من أمن وزراعة وتجارة
وحياة إجتماعية .
ورغم هذه المساعى فلم تحول دون وقوع القارة تحت براثن الإستعمار
الأوروبى وتمزيق أوصالها بين القوى الإمبريالية ،حتى حينما اجتمعوا لمناقشة أحوال
القارة فى "برلين" بين عامى 1884 – 1885 ، وكان تجمعهم من شأنه تنسيق
ووضع ضوابط حول كيفية تقسيم القارة بينهم دون تعدى على منطقة الآخر.
وما لبث المواطن الأفريقى أن يرى هذا يدور بأوطانه إلا وشارك فى
مؤتمرات شتى على المستوى الإفريقى والآسيوى أيضًا،على سبيل المثال لا الحصر (مؤتمر
نيودلهى 1949 لبحث أزمة الاستعمار الهولندى لأندونيسيا،المؤتمر الآسيوى الأفريقى
والذى كان مقره باندونج وأسفر عن إعلان دول "عدم الإنحياز" عام 1955)
وغيرها من المؤتمرات المشتركة التى تناهض سياسة الإستعمار للقارتين.ولانغفل مؤتمر
"الجامعة الفريقية" الذى بدأ عام 1900 والذى كان شعار مؤتمره الخامس
(ياشعوب المستعمرات اتحدوا) ودوره فى تكوين جبهة وطنية من العمال والفلاحين .
تمهيد/
بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 على يد الضباط الأحرار وإثبات نجاحها على
المستوى المحلى داخل القطر المصرى كان الدور على علاقات مصر بالعالم الخارجى بعد
ثورة 23 يوليو وخاصة العالم الذى تنتمى إليه مصر إقليميًا وخاصة دول إفريقيا.
قد شهد العالم وقتها تغييرات فى ميزان القوى ومخاض فكرى وسياسى على
كافة الأقطار خاصة فى دول العالم الثالث ،وحركات التحرر الوطنى التى نادى بها أهل
البلاد التى وقعت تحت يد القوى الإستعمارية آنذاك والتى تمثلت فى دول آوروبا خاصة
، وبداية إستقلال عدة دول إفريقية فى الفترة ما بين 1950 و 1985 منها (تونس ،
ليبيا ، السودان ، مراكش ، غانا ، غينيا) ولم يكن قبل ذلك الوقت حتى عام 1949 دول
إفريقية مستقلة سوى (مصر ، ليبريا ، جنوب إفريقيا ، أثيوبيا) .
ونجد هنا أن أكثر من 200 مليون نسمة تمتعت بالإستقلال داخل إفريقيا
واجتمع ممثلى الشعوب الإفريقية فى مؤتمرات مثلت أصواتهم المستقلة.
*المؤتمرات السابقة لمنظمة الوحدة الإفريقية:-
1- مؤتمر الشعوب
الإفريقية الأول
كان مقره العاصمة الغانية "أكرا" حيث اجتمع أكثر من ثلثمائة
مندوب يمثلون 62 هيئة شعبية فى إفريقيا ؛ فى الفترة مابين 5 إلى 13 ديسمبر لعام
1958 م .
نوقش فيه مشكلة التفرقة العنصرية فى أنحاء القارة وكيفية مساندة
الحركات التحررية فى كل من (الجزائر وأنجولا وغيرهما من البلدان الإفريقية)
2- مؤتمر الشعوب
الإفريقية الثانى
عقد فى تونس فى الفترة مابين 25 – 31 يناير لعام 1960 م، وهنا ظهرت
النقابات فى إفريقيا داخل المؤتمر وكان النقاش يدور حول التطورات التى طرأت على
القاهرة بعد مؤتمر أكرا وماتلاها من أفكار حول قيام مشروع وحدة غفريقية لتوحيد
الصف الإفريقى.
3- مؤتمر وزراء خارجية
الدول الإفريقية المستقلة
فى أديس أبابا عام 1960 ،قام وزراء الخارجية الأفارقة بعرض ماتم
مناقشته فى مؤتمرى أكرا وتونس وما يتعلق بحركات التحرر الوطنى والتواجد الفرنسى فى
الجزائر وخرجت التوصيات تنادى بضرورة إنشاء "مجلس التعاون الاقتصادى
الإفريقى" و " مجلس أفريقى للتعاون الثقافى والتربوى" .
4- مؤتمر أقطاب أفريقيا
أقيم هذا المؤتمر فى الدار البيضاء وكان بحضور الملك محمد الخامس ملك
المغرب والرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة ، وكوامى نكروما
رئيس جمهورية غانا ، و أحمد سيكوتورى رئيس جمهورية غينيا ، و موديبو كيتا رئيس
جمهورية مالى و ممثل عن الملك إدريس الأول ملك ليبيا وفرحات عباس رئيس الحكومة
الجزائرى آنذاك وكان إجتماعهم فى الفترة مابين 4 – 7 يناير 1961 م.
وتم مباحثة وضع إقليم روندا
وتأييد كفاح أنغولا وتونس ومشروع الدفاع الإفريقى المشترك فى حال الإعتداء
على أى جزء بالقارة.
5- مؤتمر الشعوب
الإفريقية الثالث
تم هذا المؤتمر بالقاهرة فيما بين 25 – 30 مارس لعام 1961 ، وألقى فيه
جمال عبد الناصر خطبة افتتاحية دارت حول معركة الكونغو وما هى إلا خطوة فى سبيل
التحرر.
وقد لاقى المؤتمر تأييد من قبل الصين والاتحاد السوفييتى و بعض زعماء
الحركات الإفريقية التحررية .
وخرج المؤتمر بتوصيات إنشاء وكالة أنباء إفريقية ، وبنك إفريقى
للإستثمار وصندوق لتحرير إفريقيا تدعمه الدول المستقلة ، والتركيز على دور التعليم
فى تنمية الروح الإفريقية.
كانت هذه المؤتمرات وما سبقها من مؤتمرات على مستوى البقاع المستعمرة
خطوة نحو تأصيل فكرة الوحدة الإفريقية والتى لم تكن وليدة اللحظة بل جاءت بناء على
ارتباط جغرافى وقومى قديم جددته روح حركات الكفاح الوطنى التحررية وساعدت على
إيجاده حركات الإستقلال وخاصة بمصر إبان قيام ثورة 23 يوليو.
·
مؤتمر الميثاق (مؤتمر القمة الإفريقى) :-
فى الفترة ما بين 22 – 25 مايو لعام 1963 م ، عقد بمدينة أديس أبابا
مؤتمرًا للقمة حضره 30 رئيس إفريقى لمناقشة سبل التعاون فيما بينهم والعمل على
تحرير الدول الافريقية المستعمرة.
وكان وجه الإحتفال الإقليمى والعالمى بالحدث عظيم الشأن حيث إعتاد
الأفارقة مناقشة قضاياهم المحورية خارج نطاق القارة أما الآن فصارت دول إفريقيا
أكثر إستقلالًا وباحثة عن طريق الحرية لباقى جيرانها.
·
أحداث المؤتمر:-
قام الإمبراطور "هيلاسلاسى" بإلقاء الكلمة الإفتتاحية ،ناشد
فيها كافة القوى والرؤساء الأفارقة حول توثيق روح التعاون فيما بينهم والتوجه نحو
تشكيل إفريقيا بناء على رغبة شعوبها ؛ وحث الروؤساء حول عدم مغادرة أديس أبابا دون
إقامة منظمة وحدة إفريقية تجمعهم تحت لواءها .
وكذلك كلمة الرئيس جمال عبدالناصر تحثهم على التصدى لأوجه التخلف
والإستعمار تحت منظومة وحدة إفريقية ولعل عبد الناصر كانت تراوده رؤى الإتحاد
المصرى مع قوى عدة من أجل حرية البلدان وكان سبقها بالوحدة مع سوريا ولا سيما أن
هذه الأفكار كان قد ذكرها بكتابه "فلسفة الثورة" حول حلم الوحدة )إننا لا نستطيع اليوم أن نقف بأى حال بمعزل عن الصراع
الدامى المخيف الذى يدور اليوم فى أعماق القارة ذلك لأننا نحن من أهل أفريقيا،
وبلادنا هذه القارة، وأهلها جميعاً يتطلعون إلينا على إعتبارنا حراس بابها الشمالى
الشرقى الذى يوصل أوروبا بالشرق الأقصى كله ولسوف أظل
أحلم باليوم الذى أجد فيه "القاهرة"
معهداً ضخماً لأفريقيا يسعى لكشف القارة أمام أعيننا ويخلق فى عقولنا وعياً
أفريقياً مستنيراً يشترك مع كل العاملين فى أنحاء الأرض لتقدم شعوب أفريقيا ورفاهيتها، ولا نستطيع أن نتنحى عن مسئوليتنا
فى المعاونة بكل ما نستطيع لنشر الثورة والحضارة حتى أعماق القارة العذراء ولن
نستطيع أن نقف أمام الذى يحدث فى أفريقيا ونتصور أنه لا يمسنا ولا يعنينا).
·
مسائل بحث المؤتمر:-
1- الوحدة الإفريقية.
2- القضاء على
الإستعمار.
3- القضاء على التفرقة
العنصرية.
4- تنمية التعاون بين
الدول الإفريقية.
5- إعلان عدم الإنحياز
،وإزالة القواعد العسكرية من القارة.
وفى
الليلة الختامية يوم 25 مايو تم التصديق على قرارات المؤتمر وإعلان ميثاق منظمة
الوحدة الإفريقية ،وثارت مشكلة حول اللغة الرئيسية واختير مابين الانجليزية
والفرنسية ،وأبدى عبد الناصر وجه الاعتراض حيث من العار أن نستخدم لغات أجنبية
ونحن نملك من اللغات المحلية الكثير. حتى إستقر الأمر حول العربية والأمهرية كأشهر
لغتين محلية داخل القارة واعتبارهما لغتان رسميتان للمنظمة بالإضافة للغتين
الانجليزية والفرنسية، والمقر الرسمى للمنظمة مدينة "أديس أبابا".
وخرج
علينا الميثاق مصدق من قِبل الدول الإفريقية المستقلة الموقعة على هيئة 33 مادة :-
·
مادة 1:- تعلن فيها
الأطراف المتعاقدة عن إنشاء منظمة تضم دول القارة الأفريقية ومدغشقر والجزر
المجاورة للقارة.
·
مادة 2:- تحديد أغراض
المنظمة وهى :-
1- تشجيع وحدة وتضامن
الدول الإفريقية.
2- تنسيق تعاون دول
المنظمة والجهود المبذولة فى سبيل تحقيق حياة أفضل.
3- الدفاع عن سيادة
الدول المنظمة.
4- القضاء على كافة صور
الإستعمار داخل القارة.
·
مادة 3:- مبادىء أعضاء
المنظمة :-
1- عدم التدخل فى الشئون
الداخلية للدول.
2- تسوية المنازعات
بطريقة سلمية.
3- احترام سيادة كل
دولة.
4- المساواة فى السيادة
لجميع الدول.
5- استنكار أعمال
الاغتيال السياسى.
6- تأكيد سياسة عدم الانحياز
تجاه التكتلات.
·
مادة 4:- تختص بالعضوية
وهى حق لكل دولة إفريقية مستقلة ولها سيادة.
·
مادة 5،6:- واجبات وحقوق
الدول الأعضاء.
·
المواد 7-19:-
تختص بالهيكل التنظيمى لمجالس المنظمة واختصاصاتهم.
·
المواد 20-22:-
تختص بتشكيل اللجان المتخصصة.
·
المادة 24:-
اختصت بالتصديق على الميثاق وفتح باب العضوية أمام جميع الدول الإفريقية.
·
المواد 25-27:-
بدء العمل بالميثاق فور تسلم الحكومة الإثيوبية لمستندات الموافقة.
·
المادة 28:-
تقرير انضمام أى دولة جديدة تتم بتصويت الغلبية المطلقة.
·
المادة 29:-
تحديد اللغات الدائمة للمنظمة.
·
المواد 30-32:-
تتحدث عن المنح المقدمة للمنظمة وحصانات موظفيها.
·
المادة 33:-
تتعلق بكيفية تعديل أو تصحيح الميثاق ، حسب تقديم الطلبات أو الإقتراحات من الدول
الأعضاء.
*الدور
المصرى فى منظمة الوحدة الإفريقية:-
لا شك أن
أغلب ماجاء داخل إطار الميثاق كانلعبد الناصردورًا بارزًا فيه،ولقد أقيم أول مؤتمر
بعد إعلان الميثاق فى مصر فى الفترة ما بين 17-21 يونيو 1964م.
وواجه
المنظمة مشكلات عدة وكان على إثرها صدور النقاط الآتية:-
1- ضرورة المحافظة على
الميثاق والعمل على استمرار فاعلية المنظمة .
2- احترام وحدة التراب
الوطنى للدول.
3- عدم فتح الباب
للتدخلات الأجنبية.
وإستمرت
مؤتمرات قمة منظمة الوحدة بالإنعقاد فى عدة إفريقية شتى ولكن تضاءل الدورالمصرى
قليلًا بسبب ماحدث من أحداث النكسة 1967م وماتلاها من أحداث حرب ومحاولات بناء مصر
،حتى عهد الرئيس السابق محمد حسنى مبارك وقد تولى رئاسة المنظمة فى الفترة مابين
مايو 1989 إلى مايو 1993م .
وتوالت
مشكلات عدة داخل القارة مابين حرب أهلية فى ليبريا ونزاعات بين ليبيا وتشاد با
لإضافة لأزمة جنوب السودان والتى انفصلت عن شمال السودان فى عام 2011 م.
·
إنجازات الدور المصرى من خلال
المنظمة:-
1- نجاح مبارك فى إيقاف
الحرب بين موريتانيا والسنغال.
2- احتواء الأزمة
التشادية الليبية.
3- الجهود المبذولة فى
قضية الزعيم "نيلسون مانديلا" والتى أسفرت عن الإفراج عنه.
4- استقلال ناميبيا.
5- تكليف وزارة الخارجية بإنشاء برنامج لتدريب كوادر الدول الأفريقية على
مهمات حفظ السلام .
وكان
مؤتمر القمة الثلاثين بالقاهرة دور هام فى تنشيط فكرة التعاون افقتصادى من جديد
خاصة فى ظل تولى مصر رئاسة المنظمة مرتين متتاليتين.
·
إنجازات المنظمة:-
1- نجحت المنظمة فى
مكافحة القوى الإستعمارية داخل القارة ،وإستطاعت أن تساند حركات التحرر فى ربوع
القارة،وعلى اثرها قامت "البرتغال" بتسليم موزمبيق ، وانجولا ، وغينيا
بيساو.
2- محاربة التفرقة
العنصرية سواء فى جنوب إفريقيا أو غرب إفريقيا أو زيمبابوى ،ودعت الدول لمقاطعة
جنوب إفريقيا إقتصاديًا حتى قامت بالإفراج عن مانديلا ثم اختياره رئيسًا للبلاد فى
عام 1994م.
3- الاهتمام بمشكلات
النزاعات حول الحدود.
4- مواجهة المشكلات
الإقتصادية من حيث تعزيز المجموعات الاقتصادية داخل القارة أو تعزيز فكرة التكامل
الاقتصادى.
5- انشاء آلية لحل
المنازعات الافريقية سلميًا وذلك فى مؤتمر القمة بالقاهرة عام1993م وقد نجح إلى حد
ما فى تحقيق أهدافه.
ومع دور
مصر المبذول قام الرئيس الليبى السابق معمر القذافى فى مؤتمر القمة بمدينة "سرت" بليبيا
فى تاريخ 9 سبتمبر لعام 1999م.
في شهر يوليو سنة 2001 قرر مؤتمر رؤساء دول
وحكومات منظمة الوحدة الأفريقية المنعقد في لوساكا عاصمة زامبيا الانتقال من منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد الأفريقي.
ولا شك
أن مصر لعبت دورًا عظيمًا فى سبيل وحدة إفريقية من أجل الحرية والتنمية وكانت فى
أوجها وقت عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلا أن وقوع مصر فى دائرة الإشتباكات
مع إسرائيل وإنشغالها فى قضية التسليح والتعبئة العامة حال دون إستمرارية التواجد
المصرى بنفس القوة الأولى داخل القارة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق